جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2025/03/21
*نبيل علي العابد
إن البنوك الإسلامية اليوم قد أوجدت لنفسها قدماً راسخة في الاقتصاد العالمي، وأصبح امتدادها يتسع شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً، حتى دخلت إلى عمق أوروبا وأمريكا، وأصبحت كثير من الدول الغربية تتنافس لتكون مركزاً وبوابة للمصارف الإسلامية، إلى جانب فتح البنوك الغربية الكبرى لنوافذ إسلامية، وبالرغم من الانتشار الواسع والسريع لهذه البنوك، لكنها تواجه تحديات كبيرة تعرقل مسيرتها، وتعوق تقدمها، منها بيئة العمل وطبيعة التشريعات التي لا تتسق مع وظائف البنوك الإسلامية، إلى جانب إشكالية العلاقة بينها وبين البنوك المركزية التي لم يهيأ الكثير منها لملاءمة خصوصية عمل البنوك الإسلامية التي تحرم العمل بالفائدة الربوية.
وسارعت الكثير من الدول والبنوك المركزية لحماية تلك المؤسسات بضخ السيولة وتوفير القروض اللازمة لحمايتها، لكن البنوك الإسلامية-وبالرغم من تأثرها ببعض الأزمات - لم تستفد من هذا التمويل؛ لأنه قائم على الربا.
ولبيان البدائل والحلول لاستفادة البنوك الإسلامية من هذه القروض بحيث يمكنها الخروج من الأزمات التي قد تحصل في المستقبل؛ يجب أن نذكر وظائف البنك المركزي أولاً، والبدائل والحلول المقترحة لاقتراض البنوك الإسلامية من البنك المركزي ثانياً.
أولاً: وظائف البنك المركزي: قد تتشابه الوظائف التي يقوم بها البنك المركزي في معظم بلدان العالم، ولكن الواضح أن درجة تطبيق هذه الوظائف تختلف من بيئة اقتصادية لأخرى، ويمكننا أن نجمل الوظائف التي يقوم البنك بها في الوظائف الآتية: المصرفية، والرقابية، والنقدية.
1.الوظيفة المصرفية
يعد البنك المركزي مصرف الحكومة أو مصرف الدولة؛ حيث يوفير الخدمات المصرفية التي تحتاجها مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة.
2.الوظيفة الرقابية
إن رقابة البنك المركزي على حركة الائتمان المصرفي وتوجيه عملياته تعد من أهم الوظائف التي يقوم بها، فهي بمنزلة الوظيفة الأساسية للبنك المركزي، والرقابة التي تمارسها البنوك المركزية على البنوك والمؤسسات المالية.
3.الوظيفة النقدية
وهي تشمل مجموعة الإجراءات التي تتخذها البنوك المركزية في إدارة النقد والائتمان، وتنظيم السياسة المالية العامة والاقتصاد الكلي للدولة.
ولذا نشأت مشكلة المسعف الأخير لدى البنوك الإسلامية؛ لأنها لا تستفيد من هذه الأداة القائمة على أساس الفائدة؛ إلا أن هذه الأداة قد تكون غير ضرورية للبنوك الإسلامية، لحمايتها من جملة من الآثار السلبية منها: تعرضه للمخاطر، واحتفاظه بنسبة سيولة عالية لمواجهة العجز المالي، وعدم دخوله في مشروعات متوسطة أو طويلة الأجل، وهذه تقلل من العوائد والأرباح المتوقعة.
وظيفة المسعف الأخير
حين يتهافت العملاء على سحب أرصدتهم عند حصول الأزمات المالية لبعض البنوك، أو حين تشح السيولة لديها بحيث لا تستطيع أن تفي بطلبات العملاء، أو عند عدم القدرة على بيع بعض أصولها للخسارة الكبيرة التي تلحقها، عند ذلك تسود أجواء عدم الثقة بين البنك والعميل، فتلجأ هذه البنوك للاقتراض من البنك المركزي لمعالجة مشكلتها.
فالمسعف الأخير في مثل هذه الأزمات هو البنك المركزي، وذلك مرهون بمدى استعداده لتقديم المعونة المطلوبة للبنوك لتنشيط السوق الائتماني في حالات الضيق المالي، وذلك بتوفير التمويل المالي للبنوك، بحيث تجعل كمية النقود المرصودة لذلك تحت تصرف البنوك التجارية وبقية المؤسسات الائتمانية الأخرى، سواء أكان ذلك بتقديم القروض مباشرة إليها، أم بإعادة خصم الأوراق المالية المقدمة إليه من هذه البنوك.
وليس معنى ذلك أن البنك المركزي مجبر على مساعدة البنوك التجارية وتقديم القروض والسلف لها في جميع الأحوال دون قيد أو شرط.
ويقوم البنك المركزي باستخدام أداتين رئيستين لتحقيق هذا الغرض وهما:
الأولى: سعر الخصم أو إعادة الخصم: وهو نسبة الفائدة التي يتقاضاها البنك المركزي مقابل إعادة خصم الأوراق التجارية والسندات الحكومية للبنوك الأخرى؛ وتعد إعادة الخصم بمنزلة إعادة تمويل يتيحه البنك المركزي للبنوك التجارية؛ ولكل بنك سقف، يمكنه في إطاره، الحصول على موارد جديدة من البنك المركزي.
الأداة الثانية: سعر الصرف: يمكن للبنك المركزي أن يقدم تمويلا نقدياً مباشرا للبنوك الأعضاء، بوصفة قرضاً قصير الأجل لمواجهة عجز السيولة المؤقت، وذلك بضمان أصل من أصولها، وخاصة الأوراق المالية أو التجارية المتاحة لديه، ويكون ذلك مقابل سعر فائدة محدد، وبتحريك سعر الفائدة رفعا أو خفضا يستطيع البنك المركزي أن يؤثر في الطلب على الائتمان، كما يمكنه أن يضع معايير للتمييز بين البنوك الأعضاء طالبة القروض فييسرها لبعضها ويصعب الحصول عليها لبعضها الآخر.
المسعف الأخير للمصارف الإسلامية:
لا شك أن وظيفة المسعف الأخير التي ينهض بها البنك المركزي على الوجه الذي بيناه لا تتناسب مع طبيعة عمل البنوك الإسلامية؛ لأن وظيفة المسعف الأخير تتم بأداتين رئيستين تقومان على سعر إعادة الخصم، أو سعر الفائدة السائدة، وهما ليسا إلا "الربا المحرم" في الشريعة الإسلامية، فمن مبادئ البنوك الإسلامية: استبعاد الفائدة من معاملاتها استبعادا قاطعا، أخذا وإعطاءً، ويكاد يكون هذا الفارق هو الدافع الرئيس لفكرة إنشاء البنوك الإسلامية.
فهذه الأداة مهمة جدا ولازمة، ولا يستطيع أي بنك الاستغناء عنها سيما البنوك الإسلامية؛ لأنها تشارك بالمخاطر أكثر من البنوك التقليدية، أو هي هكذا من حيث المبدأ على الأقل، فالمرفوض فيها هو كونها تقدم للبنوك الأعضاء بأسعار خصم الفائدة، وليس بأدوات أخرى تناسب طبيعة البنك الإسلامي لخصوصيته عن المؤسسات المالية التي لا تعمل وفق الشريعة الإسلامية.
فالبنوك الإسلامية تخضع لإشراف البنوك المركزية ورقابتها، وذلك لضمان حسن سير أعمالها والاطمئنان على أوضاعها المالية وضمان حقوق أصحاب الحسابات لديها، إلا أن هذه تعاني من خضوعها لأدوات السياسة النقدية نفسها التي تطبق على البنوك التقليدية، وبعض هذه الأدوات – كما سبق أن بينا - قائم على الفائدة (كسعر إعادة الخصم، والمقرض الأخير، والنسب الائتمانية) التي تفرضها البنوك المركزية ومنها ما هو غير قائم على الفائدة (عمليات السوق المفتوحة، والاحتياطيات).
والسؤال الذي يطرح هنا: هل يجوز للبنك المركزي أن يعامل البنك الإسلامي بنفس أدوات التعامل مع المصارف الأخرى؟ أليست البنوك الإسلامية جزءاﹰ من النظام المصرفي المتكامل، وجزءاﹰ من البلد الذي تعيش فيه وتعمل له ولمواطنيه، وجزءاﹰ من السياسة المالية العامة؟ ألا تسهم البنوك الإسلامية في التنمية الاقتصادية - ولو نسبيا - للبلد الذي تعمل فيه، وتستحق بذلك التعاون معها والتسهيل لاحتياجاتها والحيلولة دون انحرافها أو انهيارها.
والجواب عن هذا هو أن البنك المركزي يحتاج إلى إجراءين جوهريين هما:
أ. إدخال تعديل تنظيمي في بعض جوانب هيكله الوظيفي.
ب. إدخال بعض التعديلات في سياسته المصرفية.
وهذان الإجراءان لازمان لتطوير بيئة ملائمة لهذه المؤسسة الاقتصادية الوطنية، المسماة بـ(البنك الإسلامي)، في إطار تحقيق المصلحة التي تنعكس بالضرورة على الصالح العام الذي يسعى إليه الجميع.
وقد أدى غياب مثل هذه الإجراءات إلى اقتصار البنوك الإسلامية على التمويل قصير الأجل، وعلى أشكال محددة منه (كالمرابحة والتورق مع ما فيه من شبهات) وعدم التنوع في أدوات الاستثمار الإسلامي المعروفة التي يمكن أن تلبي الحاجات المأمولة للمدخرين والمستثمرين، كالسلم، والاستصناع، والمشاركات المختلفة والمشاريع الموجهة، وكان نتيجة ذلك:
1. الاحتفاظ بنسبة عالية من السيولة، بهدف الاحتياط بديلاً عن المسعف الأخير التقليدي.
2. الحد من قدرة البنوك الإسلامية على استغلال مواردها بشكل أفضل.
وهذا يعني عدم انخراط البنك الإسلامي بقوة في مشاريع استثمارية حقيقية طويلة الأجل، بالكم والكيف المطلوبين؛ لأنه يتوجس من المخاطر التي تحتاج إلى مسعف أخير يؤمنها، ويخشى من صعوبة التسييل في المشاريع طويلة الأجل، لأنها تتحول إلى أصول حقيقية قائمة، وكان من إفرازات ذلك أن لجأ إلى المرابحة وحدها واكتفى بالعائد منها، أو إلى صور أخرى كالتورق المصرفي.
البدائل والحلول المقترحة لاقتراض البنوك الإسلامية من البنوك المركزية:
يمكن للبنوك المركزية أن تقدم القروض والتمويل اللازم للبنوك الإسلامية عنـد الحاجة لها، ولكن بصور لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها.
هنا بعض البدائل والحلول التي يمكن أن تكون ملاذا شرعيا آمنا تخدم الطـرفين، وتلخص على النحو الآتي:
1.التمويل بالمضاربة:
ويكون ذلك بأن يتيح البنك المركزي التمويل الذي يطلبه البنك الإسلامي على أساس التمويل بالمضاربة، ويجرى هذا التمويل على الأسس نفسها التي تتم بها معاملة أموال "حساب الاستثمار العام"، من حيث معدل العائد الفعلي الذي وزع عن المدة التي أنتفع بالتمويل فيها، إلا أنه يجب أن يراعى في الحالتين أن يتاح التمويل لمدة كافية تسمح بتشغيل المال فعلا، بحيث يتولد من تشغيله عائد حقيقي قابل للقياس والتوزيع الفعلي. وهذه المدة لا تقل عن ثلاثة شهور في أغلب البنوك الإسلامية، وقد تصل إلى شهرين في بعض البنوك، وهذه الصيغة يمكن أن تناسب النظام المختلط، كما تناسب– من باب أولى – النظام الإسلامي، ويستطيع البنك المركزي أن يتصرف مع تلك الأموال بوصفها ودائع استثمارية عامة أو مخصصة لمدة محددة مقابل هامش ربح على أساس المضاربة، واعتماد آلية الربح محل آلية سعر الفائدة، بحيث تكون هي المحرك الأساسي للعرض والطلب على النقود والأموال، ويمكن أن يكون ذلك من قبيل السياسة المعتمدة للبنك المركزي، وتكون حصته من الربح أعلى من حصة المودع العادي.
ومع أن هذه الصيغة قد تبدو غير منسجمة مع الوظيفة التي يمارسها البنك المركزي، لكن ذلك لا يمنع من تطبيقها في إطار هذه الشروط والترتيبات التي يراها البنك المركزي.
وقد أخذت بعض البنوك المركزية كما في بنغلادش وموريتانيا بإيداع ودائع استثمارية لدى البنوك الإسلامية لحل مثل هذه المشكلة، وحصلت على عوائد وأرباح مجزية لتلك الودائع. وأيضا تم تفادي إشكالية إيداع نسبة الاحتياطي الإلزامي على الودائع الأجنبية التي فرضها البنك المركزي على البنوك الأعضاء، بما فيها بنك فيصل الإسلامي، وذلك بالاتفاق على إيداع هذه النسبة من الاحتياطي في البنك المركزي ضمن أحكام عقد المضاربة الشرعية، والربح الناتج بينهما.
2.تخصيص نسبة الاحتياطي النقدي لاحتياجات السيولة للبنوك الإسلامية:
بما أن البنوك الإسلامية معظم استثماراتها عينية، فمن الممكن مراعاة ذلك في تخفيض نسبة الاحتياطي المطلوبة من البنك الإسلامي؛ لأنه سيحتاج إلى سيولة أكثر من البنك التقليدي، وقد اقترح بعضهم أن تخصص نسبة معقولة من أرصدة حسابات الاستثمار، بخلاف نسبة الاحتياطي المقررة، وإيداعها في حساب مستقل بدون فائدة لدى البنك المركزي، يتم فيه تجميع هذه النسبة من كل البنوك الإسلامية في البلد الواحد، حيث يتم توفير السيولة المطلوبة لها وقت الأزمات من هذا الحساب، وفي هذا الاقتراح عبء إضافي على أموال هذه الحسابات، لكنه مع ذلك يبقى اقتراحا مقبولا قابلا للنظر والتعديل والتطوير، وهذا التطوير يعد نوعا من التوفيق بين الالتزام بالتشريعات القائمة، وبين خصائص أموال حسابات الاستثمار في النظم المختلطة، ويمكن للبنك المركزي أن يستفيد من هذه الأداة للرقابة على البنوك الإسلامية.
3.تكوين صندوق مشترك للسيولة:
يقوم هذا المقترح على إمكانية إنشاء صندوق مشترك للسيولة، يسهم فيه كل بنك إسلامي من أموال الحسابات غير الاستثمارية (جارية وادخارية)، وتستخدم الحصيلة في تقديم السيولة للبنك المحتاج لها عند وجود عجز طارئ أو مؤقت في صيغة الإقراض الحسن، على أن يعاد القرض فور الانتهاء من الأزمة، ولا تتجاوز فيها المدة شهراﹰ بأي حال من الأحوال، ومن الممكن تمديدها حسب حال البنك المقترض على ألا تتجاوز ثلاثة أشهر بأي حال، ومن المناسب أن توضع معايير معينة يمنح على أساسها هذا القرض قصير الأجل، أهمها هو الاطمئنان إلى حقيقة ثغرة السيولة، من حيث الحجم والزمن والأسباب.
ويمكن أن يدار الصندوق بأحد البديلين التاليين:
أ. إما بواسطة البنك المركزي في إطار لائحة متفق عليها، ويفضل في هـذه الحالة أن يسهم البنك بنسبة معينة في تمويل هذا الصندوق، يخصصها من أرصـدة نسبة الاحتياطي النقدي الخاصة بكل البنوك الإسلامية القائمة في الدولة.
ب. أو بواسطة لجنة تمثل البنوك الإسلامية القائمة، وذلك عند عدم قبول البنك المركزي إدارة الصندوق- وفي هذه الحالة يتم إمساك حسابات الصندوق لدى إحدى البنوك الإسلامية القائمة، ومن المفضل أن يكون أكبر هذه البنوك؛ ويعد البديل (أ) أيسر تطبيقا، كما يمكن قبوله بواسطة البنوك المركزية في النظم المصرفية المختلطة؛ لأنه يمثل ترتيبا تعاونيا إضافيا لا يلقي بأعباء تمويلية على البنك المركزي، بل يمثل مصدرا للسيولة إضافية فوق المتطلب قانونا.
4. تقديم البنك المركزي للبنك الإسلامي قرضا حسنا:
إذا أعرض البنك المركزي عن تقديم التمويل بدخوله مع البنك الإسلامي والتعامل معه بوصفه مضاربا أو مشاركا توجسا من احتمال الخسارة، فمن الممكن أن يقدم البنك المركزي التمويل للبنك الإسلامي وقت الأزمات المالية على أساس أنه قرض حسن بدون أية فائدة، أو عمل نوع من الاتفاق على ما يسمى "بالإيداع المتبادل" مع بنوك مركزية أو تقليدية، للاستفادة من فوائض السيولة بين حالات الفائض والعجز.
وبطبيعة الحال، فإن ذلك يتم في إطار أي ترتيبات أو اشتراطات، قـد يراهـا البنك المركزي ضرورية لحسن استخدام القرض، على أنه في حالة انتظام وضع السيولة، أو وجود فائض مناسب فيها، يقوم البنك الإسلامي بإيـداع مماثـل في حساب البنك المركزي، ولمدة مماثلة وعلى أساس القرض الحسن أيضا.
وتتسم هذه الصيغة بأنها عملية وقابلة للتطبيق، وهي قريبة الشبه بنظام الإيداعات المتبادلة بين البنوك إلا أنه قد يثار بخصوصها شبهة أنها "قرض جر نفعا" لكلا الطرفين، إذ لم يمنح القرض الأول إلا على أساس اشتراط منح القرض الثاني، فهل تدخل بذلك تحت المعاملة الربوية؟
والواقع أن كل عملية ذات استقلال عن العملية الأخرى، وهي منفصلة عنها عقدا وزمانا، وليس منح القرض الأول مؤكدا لحدوث القرض الثاني في المقابل، بل قد يتم الأول، ومع ذلك لا تتحسن حالة السيولة، فلا يتمكن المصرف من تقديم القرض المقابل، ثم إن أصبح هذا الأسلوب متبعا من البنك المركزي، فسيكون مصدر منح القرض الأول من بين الموارد المتاحة من فوائض السيولة المودعة من قبل البنوك لدى البنك المركزي، ومن ثم فإن هذه الصيغة تعد ملائمة، كما أنها ممكنة التطبيق.
5. العمل على إيجاد آلية للتعاون بين البنوك الإسلامية:
لا يعد هذا المقترح بديلا عن المقترحات السابقة، بل يتكامل معها ويعززها، والقصد منه هو توفير السيولة المطلوبة بالعملة الحرة القابلة للتحويل عند صعوبة توفيرها للبنك الإسلامي من السوق المحلي، ويقوم هذا المقترح على أساس عقد اتفاق بين البنوك الإسلامية القائمة، بحيث يلتزم كل منها – بمقتضى هذا الاتفاق – بإيداع حصة يتفق عليها، تنسب إلى ودائعه من العملات الحرة من غير حسابات الاستثمار، أي من الحسابات الجارية وما يأخذ حكمها، وتستخدم حصيلة هذه الحصص لإمداد البنك الإسلامي الذي يعاني من عجز مؤقت في السيولة، وذلك في صيغة قرض حسن بدون فوائد، وألا تتجاوز مدة السداد شهرا، ويمكن أن تسند مهمة إدارة هذا الاتفاق إلى إحدى المؤسسات المالية الإسلامية الدولية القائمة فعلا، مثل: البنك الإسلامي للتنمية، أو دار المال الإسلامي، أو غيرهما.
6.الصكوك الاستثمارية الإسلامية:
تعد الصكوك الاستثمارية الإسلامية من أهم ابتكارات الهندسة المالية الإسلامية؛ لما تتميز به من خصائص غير متوفرة بالأسهم أو بالسندات، ويمكن تعريفها بأنها شهادات أو وثائق أو سندات تصدر باسم المكتتب مقابل الأموال التي قدمها لصاحب المشروع، وهي تمثل حصصا شائعة في رأس المال، وتكون متساوية القيمة وقابلة للتداول ولمالكها حقوق وواجبات خاصة وفق الضوابط والأحكام الخاصة بالاستثمار والتداول في الشريعة الإسلامية.
فهي أداة تمويلية متفقة وأحكام الشريعة الإسلامية، ويمكن أن تقوم على أساس المضاربة، أو المشاركة، أو الإجارة، أو السلم، أو الاستصناع، وهي قابلة للتداول، ويستطيع البنك الإسلامي الذي يعاني من أزمة مالية مؤقتة أن يفيد منها كثيرا، ويتجاوز ما قد يتعرض له من عسر مالي وأن يخفف من حدته، دون حاجة إلى المسعف الأخير التقليدي؛ وهذا البديل تحكمه كذلك جملة من القيود والشروط والخصائص والمميزات مما يناسب أحوال المدخرين الراغبين بالاستثمار، وأصحاب المشروع المصدرين لهذه الأدوات الاستثمارية.
وبإمكان البنك الإسلامي تسييل أصوله إذا كان مستثمرا أمواله في مشاريع وأصول حقيقية، وذلك بإصدار صكوك في هذه الأصول تكون محددة ومؤقتة، ويمكن تداولها في بورصة الأوراق المالية، وتطرح على الراغبين بشرائها، وتعامل معاملة الصكوك الاستثمارية الإسلامية التي سبق ذكرها، و الأدوات يستطيع البنك الإسلامي الحصول على السيولة المطلوبة، وتخفيف حدة الأزمة المالية وتجاوزها، ويحبذ أن يشتري البنك المركزي هذه الصكوك ويستفيد منها، باعتبارها أداة مضافة إلى أدوات السياسة النقدية المعمول بها لإمكانية التحكم في الائتمان من قبله.
ولنجاح إدارة هذه الأدوات يحتاج تسويقها إلى قناعة وثقة من الجمهور الاستثماري، للإقبال على الاكتتاب بهذه الصكوك، وهو ما يعد من مسؤولية المؤسسات والبنوك المالية الإسلامية التي لا تعنى كثيرا بموضوع الترويج والتسويق ونشر الثقافة الاستثمارية والمصرفية المطلوبة لدى عموم المستثمرين.
7.بيع الوفاء:
وبيع الوفاء "هو أن يبيع شخص عينا لشخص آخر، بثمن معين، أو بالدين الذي له عليه، على أنه متى رد البائع الثمن أو أدى دينه يرد إليه المبيع وفاء".
وعلى ذلك يستطيع البنك الإسلامي المحتاج إلى السيولة الطارئة، أن يبيع ما لديه من أصول حقيقية بسعرها الحالي أو السوقي للبنك المركزي أو غيره، على أن ينتفع البنك المركزي بهذه الأصول مدة محددة ومتفق عليها بينهما وتعود إيراداتها إليه، في حين ينتفع البنك الإسلامي من الثمن المقدم له ليخفف من حدة أزمته المالية، وإذا أعاد البنك الإسلامي الثمن للبنك المركزي، فإنه يستطيع أن يسترد أصوله المبيعة، ويتوجب على الطرف الثاني في العقد الالتزام بموجب الاتفاق، ويتم ذلك بينهما وفق عقد بيع الوفاء.
8.التأمين على الودائع:
تأخذ بعض النظم المصرفية بهذه الوسيلة لحماية الودائع من مخاطر الخسارة التي قد ينشأ عنها توقف البنك عن دفع مستحقات المودعين نتيجة تعثر البنك أو فشله أو إفلاسه، ومن ثم توقفه التام عن العمل وفقدان كل أو بعض هذه الودائع، فتنشأ لهذا الغرض صناديق أو هيئات مركزية حكومية تحقق هذا الهدف.
"ويمكن أن تمارس هذا النوع من التأمين مؤسسات خاصة لتأمين استثمارات المضاربة التي تقوم بها البنوك الإسلامية، ويمكن لهذه المؤسسات أن تعمل بأسلوب شركات التأمين، وأن تكون على الشكل الآتي:
1.شركة تأمين محلية، خاصة في البلدان التي فيها أكثر من بنك واحد.
2.شركة تأمين عالمية، تشارك فيها البنوك الإسلامية بما فيها البنك الإسلامي للتنمية.
ويمكن أن تشارك هذه الشركة أيضا مؤسسات الاستثمار الإسلامية الأخرى فضلا عن البنوك.
يكون التأمين من خلال الوسائل الآتية:
أولا: التأمين على الودائع تحت الطلب: نسلم أنه من الممكن لأصحاب الودائع تحت الطلب، الذين لا يشاركون في أرباح بنوك المضاربة، أن يتخوفوا من خطر ظاهري لا حقيقي، وهو تآكل ودائعهم من خلال الخسائر التي تعاني منها بنوك المضاربة، وقد يفضلون لذلك أن يقتروا مدخراتهم، ولما كان ذلك أمرا غير مرغوب فيه ومنافيا للمصالح طويلة الأمد للمجتمع الإسلامي، فقد يكون مفيدا أن تتم وقاية الودائع تحت الطلب من هذه المخاطر، شريطة أن تكون هيئة الودائع هيئة مستقلة لا تبتغي الربح، وتعمل بكفالة الحكومة، وبإشراف البنك المركزي، ولا تقدم لها الحكومة مخصصات لموازنتها إلا في المرحلة الأولى؛ حيث تتلقى فيها قرضا بلا فائدة تسدده من الاحتياطيات المتراكمة لديها خلال عدة سنوات.
ويتكون دخل هيئة تأمين الودائع من:
أ. رسوم مفروضة على جميع البنوك التجارية لنسبة مئوية قليلة من متوسـط الودائع الحالة بعد تنزيل بعض المبالغ والاقتطاعات.
ب. عائد استثمار احتياطيات الهيئة، وعلى الحكومة أن تدفع قسط التأمين علـى نسبة الودائع الحالة التي تحصل عليها في شكل قرض بلا فائـدة، وعلـى البنك المركزي أن يدفع قسط التأمين على الاحتياطيات القانونية.
ثانيا: التأمين على ودائع المضاربة: يمكن لهيئة تأمين الودائع أن تنشئ صندوقا خاصا(صندوق تعويض الخسائر) تحت مظلتها وتحت إدارتها بالمشاركة مع أعضاء آخرين من القطاع المصرفي، بحيث يحمي أموال المودعين، وذلك باقتطاع نسبة معينة من حجم الودائع (المضاربة) وإيداعها في الصندوق كي تكون أحد الموارد الرئيسة، بوصفها احتياطيات، ونظرا لصغر حجم تلك الاحتياطيات، فإنها تستطيع أن تغطي جزءًا لا بأس به من الودائع الاستثمارية (المضاربة)، ويفضل أن يكون الصندوق اختياريا، فإن البنوك ستكون لها المصلحة في كسب ثقة المتعاملين باللجوء إلى التأمين في هذا الصندوق.
والأصل أن تخصص هذه الشركات بضمان رأس مال الاستثمارات فقط دون الأرباح حتى تخفف من احتمال إساءة استعمالها، وحتى لا تصبح أداة لمكافأة ضعيف الكفاءة وقليل الحيطة في اتخاذ القرار الاستثماري، كما يمكن ألا يشمل تعويض شركة التأمين كل الخسارة الواقعة بل جزءاﹰ كبيراﹰ منها فقط، بحيث تبقى نسبة يتحملها البنك المؤمن عليه، وتشمل المخاطر المؤمن عليها في الوضع العادي الأخطار غير التجارية، والأخطار الأخلاقية، والأخطار الناشئة عن فقدان مؤسسات المعلومات المساعدة، وكذلك يمكن في أحوال خاصة ضيقة أن يؤمن على نسبة معينة من الربح وخاصة باشتراك الدولة، كأن يكون للمشروع قيمة اجتماعية أو عسكرية كبيرة، أو يرتبط بمصالح عامة للمسلمين، الأمر الذي يستدعي أن تقوم الدولة بالتبرع بأقساط التأمين لضمان ربح معين لمثل هذه المشاريع."
"إن مثل هذا التأمين من شأنه أن يساعد البنوك الإسلامية في التخفيف من فائض السيولة المستخدم حالياﹰ في استثمارات قصيرة الأجل،" واستبدال الاستثمارات طويلة الأجل به.
ختاماً نصل إلى أهم النتائج المستخلصة من موضوعنا:
1.يتوجب على البنوك المركزية أن تلعب دوراﹰ أكثر إيجابية في التعامل مع البنوك الإسلامية، وبما يمكنها من القيام بالدور المطلوب منها، وفق القواعد والأسس التي تضمن سلامة مراكزها المالية وضمان حقوق المتعاملين معها.
2.لم تجد البنوك الإسلامية إلى الآن من يقوم بوظيفة المسعف الأخير في حالة عجز السيولة لديها على أسس تنسجم مع الشريعة الإسلامية، ومما أدى إلى عدم التفكير في إيجاد حلول عملية لهذه المشكلة، عدم تعرض البنوك لمشكلة نقص السيولة نظراﹰ لتدفق الودائع المستمر عليها، فلم يتعرض أي منها لمثل هذه المشكلة، أعني النقص في السيولة.
3.أدى عدم وجود حلول عملية مناسبة لمشكلة المسعف الأخير، بالنسبة للبنوك الإسلامية، وعدم إمكانية الإفادة من بعض التسهيلات التي تقدمها البنوك المركزية، إلى جملة من الآثار السلبية المترتبة على البنوك الإسلامية من مشكلة المسعف الأخير أهمها: الحد من قدرة البنوك الإسلامية على استغلال مواردها بشكل أفضل، مما يعد معوقا لنشاطها وأهدافها الاستثمارية.
4.هناك عدد من البدائل - القابلة للتطبيق تصلح لأداء المقصود من وظيفة البنك المركزي بوصفه (مسعف أخير) أهمها:
-تنشيط وإيجاد سوق مالي ما بين البنوك الإسلامية، وواجب السلطات النقدية تشجيع هذا السوق.
-تدعيم سوق رأس المال وإيجاد أدوات ائتمانية تتماشى والشريعة الإسلامية، ومنها سندات المقارضة القائمة على المشاركة في الأرباح.
-الصندوق المشترك للسيولة على مستوى البنوك الإسلامية المحلية.
-ترتيبات الإمداد بالسيولة بين البنوك الإسلامية على المستويين العربي والإسلامي.
-توفير السيولة في إطار صيغة المضاربة وبشروط حساب الاستثمار العام.
-توفير السيولة كقرض حسن دون فائدة عند عجز السيولة وردها عند تحسن السيولة.
-إنشاء صندوق التأمين على الودائع بما يتناسب مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
-العمل على ابتكار وتطوير بدائل لمشكلة المسعف الأخير متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية،
تخضع للبحث من قبل هيئة رقابة شرعية.
عضو لجنة البناء التنموي-كاك بنك2/2025م*
المراجع:
-الأدوات المالية المستخدمة في المصارف الإسلامية العاملة في فلسطين ودورها في تشجيع الاستثمار-عبد المحسن الجعبري-2013م
-آليات تمويل الاستثمارات في البنوك الإسلامية- بوري محي الدين- الجزائر-2011م
-أثر تغير سعر الصرف في سيولة المصارف الإسلامية-د.مطيع الشلبي-سوريا- 2021م
-نحو صناديق استثمارية اقتصادية تخدم التنمية الاقتصادية في ضوء نظام الاستثمار الإسلامي- د.أسامة هاشم-2021م